هنري بركات

ولد بركات عام 1914 في منطقة قبطية مأهولة السكّان اسمها شبرا، لعائلة من مسيحية مهاجرة من لبنان. ولد في عائلة تتكوّن من والديه وأخوته الأربعة. إلا أنه فقد واحدًا منهم في سن صغيرة بينما كانوا يلعبون في الخارج وعلى سلّم مع ابنة الجيران، والتي دفعته في لحظة مروّعة إلى الأرض دون قصد. كان والده طبيبًا مهمًا حصل على لقب “بيك” من قبل الملك للخدمات التي قدّمها.

التحق هنري بمدرسة الفرير في شبرا، وكان بارزًا في دراسته حيث كان من الأوائل في صفّه، وقد تمنّى أن يصبح طبيباً مثل والده. إلا أن والده رفض أن يسمح له بدراسة الطب واقترح دراسة القانون بدلاً من ذلك. بعد تخرّجه من جامعة الملك فؤاد الأول في القاهرة، بدأ يفقد الشغف تجاه القانون، وفي المقابل اشتعل شغفه تجاه السينما والمسرح. كما إن بركات كان يحبّ حضور السينما والمسرح كثيرًا، وقد اُشتهر بالإشارة إلى العديد من الأخطاء الفنية فقد كان يولي الكثير من الاهتمام للتفاصيل، مما جعله لا يحظى بشعبية مع الممثلين وطاقم العمل في أول وظيفة له عندما ساعد أخاه الأكبر في فيلم عنتر أفندي. بعد تلك الوظيفة الأولى كمساعد مونتير، أدرك بركات شغفه بالإخراج، وصمّم على دراسة قواعد هذا الفن وأصله. كان شقيقه الآخر يعمل في باريس، لذلك قرّر هنري الانضمام إلى أحد المعاهد الفنية هناك لكنه لم ينجح، لذلك بدأ في حضور دورات السينما الفرنسية بمفرده للتجسّس على الفصول الدراسية والتعلّم من المخرجين وأعمالهم هناك. واجه العديد من الصعوبات في الوصول إلى هذه الاستوديوهات، إلا أن إصراره في النهاية هو ما جعله المخرج الكبير الذي نعرفه الآن.

بدأت مسيرة بركات الفنية كمساعد مخرج، وقد اكتشفته وقدّمته الفنانة والمنتجة آسيا داغر أثناء بحثها عن مخرج لفيلمها الجديد. لم يكن هنري تابعًا لمدرسة فنية محددة بل أصبح هو مدرسة بحد ذاته، فمنذ أول أعماله فيلم “الشريد” أخرج أعمالًا واقعية متنوعة وأعمالًا ملحمية وأفلام الإثارة والميلودرما الهندية والمسرحيات الموسيقية وأفلام التحقيقات السياسية والأفلام الموسيقية التي كان أبطالها أشهر مطربي تلك الفترة مثل “عبد الحليم حافظ” و”فريد الأطرش” وكان له اهتمام كبير بالأدب حيث عمل على تحويل العديد من الروايات إلى أفلام وكان أشهرها فيلم “دعاء الكروان” عن رواية الدكتور طه حسين، وهو الفيلم العربي الأول الذي يترشح للقوائم النهائية لجوائز الأوسكار.

تعاون بركات مع العديد من المخرجين والفنانين طوال فترة عمله. كان التعاون الأبرز مع ملكة السينما المصرية، فاتن حمامة، التي شاركت العديد من وجهات نظره حول السينما. يمكن القول أن شراكاتهم كانت أفضل مساهمة مشتركة في صناعة السينما المصرية التي استمرت أكثر من 30 عامًا ولأكثر من 40 فيلمًا. في عام 1984 اجتمع النجمان لعمل فيلم “ليلة القبض على فاطمة” والذي لاقى نجاحًا في العديد من الدول الناطقة بالعربية ثم عُمل للتلفاز فيما بعد.

في النصف الأخير من حياته المهنية، أطلق على بركات لقب بطريرك السينمائيين (شيخ المخرجين)، ووالد السينما الرومانسية، وشاعر الشاشة الفضية، وعندليب السينما المصرية. شارك بركات في العديد من المهرجانات السينمائية في وقته، وحصل على العديد من الجوائز. نال جائزتين، وثلاث ترشيحات. فقد ترشّح عام 1958 للدبّ الذهبي في برلين عن فيلم “حسن ونعيمة”، وعام 1970 للنخلة الذهبية في برلين عن فيلم “دعاء الكروان”، وعام 1965 للنخلة الذهبية عن فيلم “الحرام”. من ناحية أخرى، فاز فيلم “ليلة القبض على فاطمة” بجائزة أفضل فيلم في مهرجان فالنسيا لسينما حوض المتوسط عام 1984. وأخيراً، حصل هنري على جائزة الدولة المصرية للحوافز في الفنون ورسائل المجلس الأعلى للثقافة عام 1996.

تركت قوة الواقعية الشعرية لبركات في أفلامه تأثيرًا كبيرًا على صانعي الأفلام في الدول العربية، وفي الاتجاهات الاجتماعية، وعلى نمط وأسلوب حياة العديد من العرب من أصحاب الطبقة الوسطى. خلال الـ55 سنة من حياته المهنية غير العادية، ترك بركات إرثًا من 112 فيلمًا صنعها حتى وفاته عام 1997 فهنري بركات هو أول مخرج عربي يترشح للأوسكار.